الاثنين، 7 سبتمبر 2009

أعـــداء التنميـــة

أحببت أن أعرض مقالا بقلم - الأستاذ: سعيد بن سلطان الهاشمي. تم نشر الموضوع بصحيفة الشبيبة العمانية، بتاريخ 7 سبتمبر 2009 في صفحة مقالات.. شكرا لك يا أبا سلطان.





"إن الفقر والجهل والمرض هي أعداء التنمية الحقيقيون، في المقابل يقف الرفاه والعلم والصحة كعدة للتنمية وعتادها الصلب، هذه العدة ذاتها هي العوامل المؤدية إلى الديمقراطية: فالمجتمع المتعلم تعليماً جيداً، والمعافى عافية طيبة في جسده وعقله، والمطمئن على لقمة عيشه، لن يرضى بالاستبداد نظاماً لحكمه، بل إن التاريخ الإنساني يخبرنا عن أمم لم تناضل لحكم عادل إلا بعد أن استنارت عقولها، وسلمت أبدانها من الأمراض القاتلة، ووظفت الوفرة المالية التي جنتها في سبيل حريتها، وبناء مجدها، وأوروبا في عصر النهضة مثال على ذلك. والولايات المتحدة الأمريكية في مرحلة ما بعد تحررها من الاستعمار البريطاني وسيطرته نموذج آخر يدعم قولنا في هذا الاتجاه.

إذن كيفما قلبت التنمية والديمقراطية – في اعتقادي - فكل منهما يؤدي للآخر، وكلاهما ضامن موضوعي لظهور الآخر؛ إذا ما توفرت الأسباب الكاملة وغير المنقوصة لكل واحد منهما. لذا يمكننا القول أنه وإذا ما أدركت الإدارة السياسية شمولية هذا الهدف فإنها لن تقف حجر عثرة في طريق مصلحة شعبها الذي يتقدم ويزدهر بالاثنين. بل إن دوام الأنظمة السياسية مرهون بمقدرتها على قراءة تطلعات شعوبها، وليس قمع آماله، وتوسيع خيارات معيشته لا بتضييق فرصهم وبيع مواردهم لفئة محدودة منهم.

إن دوام واستقرار المجتمعات مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمقدار الثقة القائمة بين مؤسسة الحكم والمحكومين، وهذه الثقة لا تأتي بسهولة؛ إذ أن البشر بطبيعتهم تتقدمهم شكوكهم ومخاوفهم، في غالب الأمر تجاه من يتولى قيادتهم وإدارة دفة حياتهم. عليه فإن المؤسسات المستقلة والمنفصلة والمُراقِبة لبعضها البعض جاءت كصيغة تعاقدية بين قاعدة هرم السلطة وقمته بعد صراعات مريرة، وتجارب صعبة.

هذه الصيغة كفلت حقوق الطرفين، فبات كل طرف يعرف حدوده ومنتهاه، من ذلك فإن التنمية الاقتصادية حتى وإن دفع الشعب ثمناً باهظاً لها في ظل دولة المؤسسات والقانون؛ هي أولاً خياره الذي فوض ممثليه بإجازته وتبنيه، ثم إنه مطمئن على أن العوائد والفوائد من تلك التنمية سيكون مآلها في خزائنه الوطنية، بفضل مؤسسات الرقابة والمحاسبة التي وضع ثقته فيها. في النموذج الآخر المقابل نلاحظ أن هذه الثقة مهزوزة (إن وجدت) لأن الناس مغيبة دائماً عن مفاهيم الشراكة والاختيار، وبالتالي من أين لهم أن يثقوا في أناس لا يعرفونهم ولا يعلمون ماضيهم أو جدارتهم بإدارتهم. كما أن الأمر لم يقف عند حد فرضهم دون أن يملك الناس حق محاسبتهم على أخطائهم، وإنما علاوة على ذلك يُطالب الناس بكيل الثناء والشكر على أفعالهم، والتقدير العالي لتصرفاتهم، التي لا تصنف كخدمات واجبة عليهم و مستحقة للناس. بل أفضال كبرى قدمتها هذه الفئة لعموم الناس تستحق المنّة والتذكير المذل دائما.

في بنية كهذا لا أعتقد أن التنمية الاقتصادية يمكنها أن تحقق الهدف المنشود منها، بل على النقيض تماماً ستثير عموم الناس، وتؤلب قلوبهم على الساسة المنتفعين، وعلى أهل الإدارة المعزولين، وستنشأ طبقة طفيلية بين القلة التي في قمة الهرم، والكثرة التي في قاعدته؛ ستقطع هذه الطبقة أي محاولة بسيطة للتفاعل الإيجابي في سبيل تصحيح المسار. عندئذ سيصرف الوطن من قدراته أعوامه الكثير في معالجة الآثار الجانبية التي ولدها فهم قاصر للتنمية، نابع من إدراك شخصي َقُصَر المنافع على دائرة ضيقة بنى أفرادها منظورهم على قناعات متصلبة، ومكّنوا من تعميمها كسياسات عامة دفعت أثمانها أجيال تستحق الأفضل".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق